الأسيف أستغفر لله العظيم من كل ذنب عظيم ..
عدد المساهمات : 672 الإقامة : تونس البلد : الأوسمة : نقاط : 30261 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 07/06/2008
| |
الأسيف أستغفر لله العظيم من كل ذنب عظيم ..
عدد المساهمات : 672 الإقامة : تونس البلد : الأوسمة : نقاط : 30261 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 07/06/2008
| موضوع: رد: النموذج الأرتكاسي الأحد يونيو 15, 2008 4:43 am | |
| ثالثها: إلحاق الأخطاء بالآخرين وتوزيع المسؤوليات والاتهام الدائم للغير. فما أن تخذل توقّعات كائن الضغينة حتى ينفجر اتهامات قاسية. إنه باختصار يقوّم الأشياء من زاوية أخلاقية انطلاقا من ثنائي الخير والشر، والورع والزندقة، والإيمان والكفر. فهو لا يشعر بأنه طيب إلاّ إذا شعر بأن الآخرين خبثاء. فصيغته الأساسية هي كما يقول دولوز: "أنت خبيث إذن أنا طيب". وهي صيغة تلخّص في نظره ما هو جوهري في الضغينة بكل سماتها السابقة وتوضح بشكل جلي منطق النموذج الارتكاسي وكل الفلسفة التي يصدر عنها. يورد نيتشه هذه الصيغة في "جنيالوجيا الأخلاق" على لسان "حمل" على النحو التالي:"هذه الطيور الكاسرة خبيثة، وذلك الذي يكون نقيضها كأن يكون حملا، ألا يكون طيبا ؟" [19]. ولفهم منطق هذه الصيغة سنبلورها في صورة قياس، والقياس كما هو معلوم قول يتألف من مقدّمتين: كبرى وصغرى ونتيجة. ستتخذ الصيغة الآنفة صورة الاستدلال التالي: الطائر الجارح آكل اللحوم (المقدمة الصغرى) كل طائر كاسر خبيث (المقدمة الكبرى) الحمل طيب ( النتيجة ) يجري النظر إلى الطائر الجارح في المقدمة الصغرى كما هو في حقيقته الواقعية، أي باعتباره قوة (طائر كاسر) لا تنفصل عما تستطيعه (أكل اللحوم). لكن يجري في المقدمة الكبرى (كل طائر كاسر خبيث) افتراض أنه قد يكون في وسع الطائر الكاسر أن ينفصل عن قوته أي عما يستطيعه، وبما أنه لا يريد أن ينفصل عن طبيعته، ولا يريد أن يكبح نفسه فهو خبيث. يجري الافتراض إذن في الخاتمة (الحمل طيب) أن قوة واحدة هي القادرة على كبح ذاتها هي قوة الحمل ولهذا فهو طيب. بينما الطائر الكاسر نظرا لأنه لا يستطيع أن يكون حملا أي لا يستطيع أن ينكر ذاته واختلافه لذلك فهو خبيث. فمنطق الضغينة هنا هو منطق مقلوب يتخذ الصيغة التالية: الخبيث هو الذي يؤكد ذاته واختلافه، أي هو الذي "يكون جسده" être son corps ، أما الطيب فهو ذاك الذي يعجز عن توكيد اختلافه فيدّعي بأنه باستطاعته ذلك لكنه لا يفعله، لأنه يسيطر على ذاته و"يمتلك جسده"avoir son corps [20]. هكذا يتأسس منطق الضغينة على "قياس فاسد" un paralogisme أساسه الاعتقاد الوهمي بوجود قوة مفصولة عما تستطيعه، وبفضل هذا الوهم تنتصر القوى الارتكاسية. يقول نيتشه:"ألم يصل شعب إسرائيل- عبر طريق المخلّص الملتوية، عبر هذا الخصم الوهمي الذي بدا وكأنه يريد تشتيت إسرائيل-إلى تحقيق آخر أهداف ضغينته السامية؟"[21]. وفي نظر دولوز فإن تحليل هذا الوهم يكتسي أهمية قصوى، لأنه بواسطته تكتسب القوى الارتكاسية قوة معدية، بينما به تصبح القوى الفاعلة قوى ارتكاسية بالفعل. يقوم هذا الوهم ويترسخ بواسطة عدة آليات من أهمها آلية العلّية الخيالية. وتتمثل هذه الآلية في إقامة انشطار ما بين القوة ومفعولها، حيث يتم افتراض أن القوة علّة مستقلة ومنفصلة عن تجلّياتها. فالعلّية هنا معتقد خيالي يتم توظيفه من قبل النموذج الارتكاسي لكي يعزز الاعتقاد الوهمي بأنه من الجائز أن يصبح القوي ضعيفا (كأن يصبح الطائر الكاسر حملا). وهذه العلّية الخيالية هي حيلة النموذج الارتكاسي: فالطيب هو الذي يكون على نقيض الآخر المختلف (أي الخبيث). "فالخبيث" هو "خبيث" لأنه يمارس قوة يمتلكها، بينما "الطيب" هو "طيب" لأنه يمتنع عن ممارسة قوة لا يمتلكها. هكذا يجري تحويل الاختلاف الطبيعي الموجود بين الكائنات إلى تناقض، وتقديمه في صورة تعارض أخلاقي، كالتعارض بين الطيب والخبيث، أو بين الخير والشر[22]. فبواسطة التأويل الأخلاقي للحياة والوجود تعطي القوى الارتكاسية عن مبدأ الاختلاف - الذي هو أساس الحياة - صورة مقلوبة حيث يصير مبدأ أخلاقيا. ويتم قلب هذه الصورة بواسطة آليات التوهيم والتضليل، أي بواسطة تواطؤ بين القوى الارتكاسية والإرادة العدمية. ولقد قلنا سابقا بأن نيتشه يعتبر بأن اللاهوتي هو الذي يمنح للقوى الارتكاسية الإرادة الملائمة لها، وباسم تلك الإرادة تتم مقاومة الحياة [23]. أساس الضغينة إذن هو اتهام الآخر والحياة، والوقوع تحت وطأة الشعور بالإثم، ومحاولة الهروب من هذا الشعور المؤلم عن طريق التعلق بأوهام تقدّم له في صورة حقائق لاهوتية، أوأخلاقية، أو فلسفية، أو علمية. بواسطة الأخلاق –والأخلاق تكتسي في المنظور الجنيالوجي عدة دلالات: فهي لاهوت، وميتافيزيقا، ولغة، وشبه نظريات علمية...- إذن تتبلور الضغينة إلى وعي شقي. ويتم ذلك عن طريق تحويل مفهوم "الألم" من معناه الخارجي الإيجابي إلى معناه الداخلي السلبي. وهذا التحويل يعدّ لحظة حاسمة تتوّج انتصار القوى الارتكاسية وتشكّل النموذج الارتكاسي. يكون الألم عبارة عن قوة فاعلة وإيجابية حين يتجلى كمعنى خارجي ويتم الإبقاء عليه في خارجيته، وهذا ما يميز القوى الفاعلة قبل أن تنتصر عليها القوى الارتكاسية. فالفاعل القوي يعرف كيف يحقق الربط إيجابيا بين الألم والحياة. وإذا كان لا يأخذ مأخذ جدّ الألم بما في ذلك ألمه ذاته، فلأنه يتصور باستمرار وجود قوة ما أو "شخص ما" يمتعه ذلك الألم [24]. بيد أن نيتشه يلاحظ بأنه يوجد في الوقت الراهن نزوع للتذرع بالألم كحجة ضد الوجود. لأن الوجود صار- في المنظور الارتكاسي- أكثر عرضية وعبثية، وخاليا من المعنى والقيمة[25]. بينما المعنى الإيجابي للألم، هو ذاك الذي لا يتخذ حجة ضد الحياة، بل على العكس من ذلك ينظر إليه باعتباره مثيرا للحياة وحجّة لصالحها وتجلياّ فاعلا لها: ألا يقول المثل الشعبي المغربي " أللّي أبغى لعسل يصبر لقريص أنحل". وفي سياق نفس الدلالة يقول نيتشه:" لقد كانت القسوة بمثابة متعة مفضّلة لدى البشرية الأولى. فكانت تدخلها كتابل أساسي في كل متعها تقريبا. حيث لا استمتاع من دون ألم. هذا ما ينبئنا به تاريخ الإنسان الأكثر إيغالا في القدم. فللألم مظاهر الاحتفال." [26]. بيد أن انتصار القوى الارتكاسية على القوى الفاعلة أدى إلى تحوير مفهوم الألم، فتم نقله من معناه الإيجابي الخارجي إلى المعنى السلبي الداخلي، بحيث لم يعد الألم عنصرا فاعلا "بل هو ما يجب الهروب منه بواسطة أقوى الأهواء توحشا. فالألم نتاج غلطة أو خطيئة، وهو أيضا وسيلة للخلاص منها. فالألم لا يشفى منه إلاّ بمضاعفته والمزيد منه عبر استبطانه بشكل أعمق وعن طريق تلويث الجرح" [27]. ذلك هو التفسير الذي يقدمه اللاهوتي للألم، وتلكم هي "الوصفة" التي يقدّمها "طبيب الروح" لإخراج الإنسان من تمزّقه. قلنا بأن الكائن الارتكاسي عاجز عن توكيد ذاته في الوجود، لهذا فهو يعاني من ألم وتمزّق، فيسعى جاهدا للبحث عن علّة لألمه وتبرير لعجزه. فيعثر في البداية عن ضالته في التفسير الأخلاقي للوجود، وفي النظرة المانوية للحياة. فيتهم كل ما هو حيوي فعّال، ويقلب الاختلاف إلى تعارض موظفا في ذلك استدلالا فاسدا صاغه دولوز على النحو التالي: "أنت خبيث إذن أنا طيب" . وبهذا المنطق يتم توجيه قوة الضغينة نحو الآخر وضد اختلافه. لكن الضغينة لغم متفجّر وطاقة مخرّبة، فهي تؤذي الأنا والآخر أيضا. لكن بنفس القدر فهي تهدد الأمن والاستقرار والنظام. من هنا تطرح ضرورة احتواء مفعولاتها وإبطال لغمها، فيتم تغيير اتجاهها باتجاه "الوعي الشقي": "فعلة الألم ومصدر الشر يوجدان بداخل الإنسان، فهي عقاب وانتقام من الأخطاء والكبائر التي ارتكبها الكائن فيما مضى"[28]. بهذه الكيفية يتم استبطان الألم، فيكتسب بذلك معناه السلبي الباطني، فيتحول إلى وعي شقي. كلّ هذا يجري وكأنّ الضغينة لا تهدأ إلاّ بنشر عدواها حتى تصبح الحياة بأسرها ارتكاسية وجميع الأصحاء مرضى. فلا يكفي اتهام الغير والحقد عليه، بل يجب على المتهم ذاته أن يشعر بأنه مذنب، وبأنه في حاجة إلى إعلان التوبة والتكفير عن ذنب حتى ولو كان هذا الأخير مجرد وهم. وبموازاة التحول الآنف الذكر الذي يخضع له مفهوم الألم، هناك تحوّل آخر يمسّ طبيعة العلاقة بين الدائن والمدين– أي يستهدف أحد الركائز الأساسية التي تنبني عليها الحياة المشتركة بين الأفراد داخل المجتمع وهي تتعلق بمبدأ الدّين la dette. حيث يفقد هذا المبدأ طابعه العابر والفاعل الذي كان يساهم في تحرير الإنسان، فيتحول إلى "دين أبدي" une dette éternelle يتعذر تسديده والتحرر منه. يصبح الدّين علاقة مدين لن ينتهي من الدفع، بدائن لن ينتهي من استيفاء فوائد الدّين، فيجري استبطان ألم الدّين [29]، فتتحول المسؤولية عن الدّين إلى شعور بالذنب. يمثّل "المثل الأعلى الزهدي" المظهر الثالث للنموذج الارتكاسي، وهو عبارة عن تركيب للضغينة والوعي الشقي، إذ بواسطته يتكاملان ويقوّي أحدهما الآخر[30]. ليس المثل الأعلى الزهدي سوى تعبير عن أرقى أشكال الأقنعة التي ترتديها المعاني الزائفة التي يمنحها الكائن لألمه وشقائه وقلقه في الوجود، وذلك حينما يصاب باضمحلال فزيولوجي ونفسي عميقين، وبروح إنكارية تجعله غير قادر على توكيد ذاته وحياته في كل أبعادها، بدون بخل وحساب، أو ذحل وإحساس بالذنب، وبدون الحاجة إلى التعلق بقيم ومثل عليا مفارقة. لهذا اعتبر نيتشه بأن تفكيك المثل الأعلى الزهدي بما هو الشكل الأرقى للقوى الارتكاسية، يعتبر شرطا ضروريا لتمكين الإنسان من التصالح مع ذاته وطبيعته ومع الغير الذي ليس سوى وجهه الآخر المختلف. ولا حاجة إلى التذكير أن هذا المثل الأعلى ماهو إلا عنوان واسع تندرج تحت إطاره جميع المعاني الكبرى، والقيم المقدّسة، والمثل العليا المفارقة، القديمة والحديثة، وهي تشمل القيم اللاهوتية والقيم الحديثة والمعاصرة كالعقلانية، والنزعة الانسانية[31]، والوضعية، والمثل الاشتراكي، والديمقراطي[32]...من هنا يكتسي تحليله بعدا راهنيا ويشكّل بالنسبة للفكر العربي المعاصر أحد المشاريع التي يكتسي إنجازها طابع الضرورة والاستعجال .
| |
|
ReMaS يا رب إن لم يكن بك علي غضب فلا ابالي..
عدد المساهمات : 1762 تاريخ الميلاد : 18/05/1992 العمر : 32 الإقامة : فلسطين الحبيبة البلد : الأوسمة : نقاط : 30490 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 06/06/2008
الورقة الشخصية ريماس: 1
| موضوع: رد: النموذج الأرتكاسي الإثنين يونيو 16, 2008 5:49 pm | |
| الموضوع ما أقدر أوصفه رووووووووووعة بحكيها بكل اللغات والشكر الجزيل للشخص الي وضع هذا الموضوع في منتدانا تسلم أخي الأسيف وبارك اله فيك الموضوع لا يوصف تسلم | |
|
الأسيف أستغفر لله العظيم من كل ذنب عظيم ..
عدد المساهمات : 672 الإقامة : تونس البلد : الأوسمة : نقاط : 30261 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 07/06/2008
| |